استكمالا لما بدأناه من توضيح الاحتمالات الممكنة للفرد الذي مر بخبرة صادمة سواء كان الاحتمال هو العجز والمرض، أو التعافي والوصول لخط الأساس الطبيعي له، أو النمو والازدهار والتعافي المصحوب بتغيرات إيجابية في الشخصية. نتناول بشكل أكثر تفصيلا مفهوم نمو ما بعد الصدمة وأبعاده التي تتمثل في تفصيل التغيرات الإيجابية التي يمكن أن تحدث بعد الصدمة.
1- مفهوم نمو ما بعد الصدمة:
طرح مفهوم "نمو ما بعد الصدمة" " تيدسكي وكالهون "، ويقصد به أن الصدمات لها جوانب إيجابية رغم جوانب الضغط والمعاناة، وجوانب القوة تمنح الفرد القوة وتؤدي به إلى إحداث تغيرات إيجابية لديه وفي حياته، وترفع من قدرته على الصمود أمام المتاعب التي تواجهه.
ونمو ما بعد الصدمة مفهوم يعكس العمليات النفسية المفيدة للأشخاص الذين يمرون بخبرات صادمة وبمثابة تعبير عن عمليات التغيير في توجهات الحياة والأولويات فضلا عن تحقيق مستوى جديد من المشاعر والوعي الذاتي. وهذه العمليات تبدأ من خلال محاولات التكيف مع ظروف الحياة الصعبة للغاية والتي يمكن أن تنتج مستويات عالية من الضيق النفسي (Alexander & Oesterreich, 2013, 831)
ويعرف "تيدسكي وكالهون" نمو ما بعد الصدمة بأنه خبرة التغير الإيجابي الذي يحدث بوصفه نتيجة الصراع مع التحديات والأزمات الشديدة في الحياة (tedeschi & Calhoun ,2004,1). ويضيف أيضا أنه يقصد به نمو وتطور نفسي إيجابي شامل لجوانب الشخصية.(Tedeschi & Calhoun, 2004, 4)
ويرى سميث Smith أنه تعظيم الفوائد الإيجابية التي تنبع من الحالات السلبية أو الظروف، وخبرات الشخص التي نتجت عن الحدث الصادم أو الأزمات.(2016, 26) وهو أيضا تغير إيجابي مهم طويل المدى (مستدام) في الالتزامات وأهداف الحياة الأساسية (كريستوفر دافيس، وسوزان هوكسيما، 2017، 1031).
ووفقا لكالهون وتيدسكي فإن النمو والتغير الإيجابي يكون قائمًا بالتزامن مع الكرب والمشقة distress، والنمو ينطوي على تطوير الأفراد خارج "المستوى السابق من التكيف، والوظائف النفسية والوعي بالحياة "وتغيير أساسي في الفرد ككل . (Jirek, 2011, 3)
وتكاد تتفق تعريفات الباحثين على أن نمو ما بعد الصدمة هو حدوث تغيرات نفسية إيجابية في حياة الشخص بعد مروره بصدمة أو أحداث ضاغطة ومؤثرة على مجرى حياته، وهذه التغيرات لها جوانب وأبعاد محددة تختلف من باحث لآخر كما سيتضح عند تناول أبعاد نمو ما بعد الصدمة.
ويعرف الباحث نمو ما بعد الصدمة بأنه الوعي بمجموعة التغيرات الإيجابية المتنوعة التي يكتسبها الناجون من الصدمات.
وهذا التعريف يتفق مع تعريفات الباحثين السابقين إلا أنه يضيف كلمة "الوعي"- قبل التغيرات الإيجابية - التي تعني الإدراك والانتباه حيث أنه قد يكون حدث للفرد نموا واقعيا وهو لا ينتبه له فيكون نموا غير مدرك وعندما لا يدرك وينتبه للنمو ربما لا يستفيد منه نفسيا في تحسين جودة حياته ومستوى سعادته. وقد يكون الفرد منتبها لمجموعة التغيرات الإيجابية ويدركها بطريقة أكبر من حقيقتها، فربما يستفيد من هذا الإدراك المبالغ فيه.
2- أبعاد نمو ما بعد الصدمة: Dimensions of (PTG)
تعتبر أبعاد نمو ما بعد الصدمة هي مجموع التغيرات الإيجابية الناتجة عن أحداث وظروف صادمة وفق عدة جوانب أو مكونات محددة بناء على دراسات عاملية والتحقق من خصائص سيكومترية من صدق وثبات.
وحدد جوزيف أن هناك ثلاثة أبعاد واسعة للنمو بعد الصدمة تتمثل في:
وقد تناول تيدسكي وكالهون هذه الأبعاد الثلاثة السابقة أيضا - في دراسة أخرى (Tedeschi & Calhoun, 2006) حيث تضمن بعد التغير في فلسفة الحياة بعدين آخرين وهما (زيادة التقدير للحياة والتغيرات الروحية) وتضمن بعد ادراك الذات (الفرص الجديدة والقوة الشخصية) والبعد الرئيس الثالث ظل كما هو "العلاقات الاجتماعية".
وقد طور (Alexander, Oesterreich, 2013) قائمة لنمو ما بعد الصدمة وكانت أبعادها: تكوين العلاقات مع الآخرين Relationships to Others ، والقوى الشخصية Personal Strengths ، وزيادة تقدير الحياة Appreciation of Life ، والروحانية (التدين) Spirituality/Religiosity ، والفرص الجديدة New Possibilities ، والتفتح Openness، والإنتاجية Generativity .
بينما توصلت نتائج دراسة (Ha.J & Sim, 2016) إلى أن أبعاد نمو ما بعد الصدمة هي: تحسن تقدير الذات Improve self-esteem، وإدارة الضغوط Stress management، والشفاء والتعافي من الصدمة Healing and recovery for trauma، وتحسين العلاقات الشخصية .Improving interpersonal relationships
وكان تيدسكي وكالهون قدما قائمة نمو ما بعد الصدمة متضمنة خمسة أبعاد (Tedeschi & Calhoun, 1996, 455) وتتمثل هذه الأبعاد فيما يلي:
وقد أظهرت نتائج دراسة Kanako, Cann, Calhoun, and Tedeschi, (2008) التي قارنت بين عدة نماذج لأبعاد قائمة نمو ما بعد الصدمة مثل (Tedeschi & Calhoun, 1996; Ho, Chan, & Ho,2004; Cadell et al., 2003) أن نموذج كالهون وتيدسكي (1996) المعتمد على خمسة أبعاد منفصلة هو الأكثر صدقا وثباتا في بنيته العاملية. ويمتاز بأنه ينظر للنمو اللاحق للصدمة على أنه عملية ونتيجة، رغم أن عملية التكيف وتحديد التغيرات الإيجابية للنمو بعد الصدمة هي عملية طويلة المدى.(Jayawickreme & Blackie, 2014, 314)
المراجع:
There are many variations of passages
الفلاسفة الرومان أشاروا إلى الحكمة بالفضائل والمهارة والعفة وكان مثال البومة Wol الشعار الشعبي...
أقرأ المزيدتناول المقال السابق التغيرات الإيجابية المحتملة في حال مرور بعض الأفراد لخبرة صادمة، لكن تفسير...
أقرأ المزيديمكن للأحداث الصادمة أن تحطم العالم الافتراضي للشخص، ويصاحب ذلك كرب انفعالي شديد، مما يجعله مضطرا...
أقرأ المزيدأ.د. محمد السعيد أبو حلاوة . أستاذ الصحة النفسية المساعد - كلية التربية- جامعة دمنهور . * وهم...
أقرأ المزيد